صور وتوجيهات:
من التوجيهات القرآنية للمسلمة العفيفة التي تتخذ من أمهات المؤمنين أسوة لها، عدم الخضوع بالقول، قال تعالى: {فلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب:32].
ولأن الإسلام ينظر إلى المرأة كشقيقة للرجل، محملة بواجبات التعلم والتعليم، والإستقامة والدعوة والنفع، فإن هذا التوجيه يأتي كمنحة ربانية لمن تريد أن تنجح في حياتها الخاصة والعامة كإنسانة كرمها الله، وأن تتواصل مع المجتمع بعيدًا عن الدائرة الضيقة للشهوة المحرمة.
وقد أفاض العلماء رحمهم الله وأجادوا في تفسير الآية الكريمة، وفي هذا المقال نتعرض لتطبيق الآية وتلمس هداها في عالم الإنترنت، الذي أتاح آليات جديدة للتواصل، وألوان مختلفة من تبادل القول بين الرجال والنساء، والتي غالبًا ما يشوبها التساهل والتفريط نتيجة لكونه عالمًا إفتراضيًا، فيتخفف الإنسان فيه من ضوابطه إستبعادًا لفتنة هي في الحقيقة غير مأمونة أبدًا.. فهذا العالم وإن كان إفتراضيًا، إلا أنه ليس مقطوع الصلة بالواقع، وعلى المرأة المسلمة أن تفيد منه وتستفيد دون أن تغفل لحظة عن هدي الآية الكريمة المذكورة سلفًا.. فجميع أشكال القول سواء بالكتابة أو بالتعبير الرمزي أو الصوت يجب أن تبتعد فيها تمامًا عن الخضوع بالقول، وتلتزم بالقول المعروف.
* نظرة على واقع الإنترنت:
يحتاج التعامل على الإنترنت إلى مزيد من الحيطة والإنتباه، فمريض القلب يشعر أنه فرصته السهلة للتواصل المباشر مع الفتيات والنساء بلا قيود، فعلى مواقع التواصل الإجتماعي، والمنتديات، وغرف الدردشة.. تجد متابعين ومعجبين وراغبين في التواصل فقط لأن الإسم أو الصورة نسائية!
ويخلق التواصل المستمر نوعًا من الإلف، قد تنسى به المرأة أن من تتعامل معه هو شخص أجنبي عنها، وأن ثقتها به يجب ألا تتجاوز حدود المعقول، فتميل بقولها أو تلين فيطمع المريض، أو يمرض الصحيح..
ومن صور الإبتعاد عن هدي الآية الكريمة في تواصل المرأة على شبكة الإنترنت:
ـ إشعار الرجل بإهتمام خاص بشخصه، وتقدير مبالغ له، وسعادة بالتواصل معه.
فالكلام يجب أن يبتعد تماما عن نطاق التعبير عن أية مشاعر، وهو ما لا يتنافى أبدًا مع الكلام الطيب، ولا يستلزم الغلظة، وإنما كما قال تعالى: {وقلن قولا معروفا}.
ـ الوقوع في أيٍ من الضدين: التبسط والممازحة، والإستضعاف والحزن.. فكلاهما يدفع بالحديث بعيدًا عن المنطقة المضيئة الواضحة العقلانية، إلى تهييج مشاعر إعجاب واستظراف، أو شفقة وحنو.
ـ التطرق دون داعي إلى الأحاديث الشخصية، والإبتعاد عن هدف التواصل الرئيسي، فمضمون الكلام وهدفه يجب أن يكونا حاضرين دائمًا.
ـ إستخدام عبارات رقيقة، ولغة متبسطة، ووجوه تعبيرية مضحكة أو جذابة، وهو ما يجعل الرجل يفكر بعيدًا عن محتوى الكلام إلى شخصية صاحبته، وكثيرًا ما يتعلق بها رغم أنها مجرد كائن إفتراضي بالنسبة له، ولكن خياله يتكفل بتكملة الصورة!
ـ وتزداد الحيطة إذا كان تواصل المرأة بالصوت وليس بالكتابة، وعليها ألا تقوم بذلك أصلًا إلا إذا دعت الحاجة إليه.
* ممنوع التجاوز:
والنهي عن الخضوع بما فيه من معاني الذل والترقق واللين والمطاوعة، يلقي على المرأة مسؤولية صد التجاوز، وعدم الإسترسال مع الحديث المتعدي للمعروف خجلا، فحتى إذا لم تخضع المرأة إبتداءًا بالقول، ولم تتجاوز هي في الحديث مضمونًا ولا أسلوبًا، فرضاها بتجاوز الطرف الآخر، وإستمرارها في الحديث رغم التعدي هو خضوع منها وموافقة لا تقطع حبل الطمع فيها.
وختامـــــاً..
ما أجمل وأدق ما قاله ابن عاشور رحمه الله في تفسير الآية الكريمة: والنساء في كلامهن رقة طبيعية وقد يكون لبعضهن من اللطافة ولين النفس ما إذا إنضم إلى لينها الجبلي قربت هيئته من هيئة التدلل لقلة إعتياد مثله إلا في تلك الحالة، فإذا بدا ذلك على بعض النساء ظن بعض من يشافهها من الرجال أنها تتحبب إليه، فربما إجترأت نفسه على الطمع في المغازلة فبدرت منه بادرة تكون منافية لحرمة المرأة -التحرير والتنوير- تفسير سورة الأحزاب.
الكاتب: مي عباس.
المصدر: موقع رسالة المرأة.